6.6.05

السفارة السورية في لبنان

كنت في زيارة لصديق الطفولة والدراسة المهندس وائل سلامة ابن بلدتي مرمريتا، والذي يعيش ويعمل في ضواحي مدينة بوسطن الأمريكية . وكان وائل وبحكم صداقتنا الطويلة يعلم أني من محبي الفلسفة واللاهوت ومن المتيمين بالروحانيات أنى كان مذهبها أو معتقدها. لذلك أصر على مجيئي لرؤيته في الفترة نفسها التي يزور فيها ضاحيتهم ناسك شاب أمضى أكثر من نصف حياته متوحدا في جبال اليونان المقدسة . فما أن تناولنا عشاء اليوم الأول من زيارتي حتى وجدنا أنفسنا نشق الطريق باتجاه صالة النادي السوري اللبناني في تلك المنطقة للاستماع لحديث هذاالناسك الشاب .كنا على الموعد وكان الناسك بانتظارنا وحيدا، يقرأ في كتاب سميك ممشطا ذقنه الطويلة بيده اليمنى الى الأسفل تارة وتارة يضرب خرزة من مسبحته السوداء فتنقر جارتها مصدرة صوتا ناعما .انتصب بأدب عندما شاهدنا واقترب بهدوء مهيب ورحب بقدومنا ببشاشة وادعة. ثم سألنا ان كنا لانمانع الانتظار بضعة دقائق أخرى لأن سيدة لبنانية أخبرته بقدومها الأكيد. غير أن القادم التالي كان شابا أشقر الشعر خلته للوهلة الأولى أمريكيا الا أنني لاحظت من لكنته الانكليزية أنه غير ذلك وتأكدت من ذلك عندما عرف على نفسه بأنه من مواليد حلب . وبينما هو يعرف عن مهنته كمطرب طغى على صوته "قرقعة كندرة" قوية ملأت فضاء الصالة العالية السقف بضجيج أنسانا برد بوسطن وعجقة شوارعها . التف الجميع حول طاولة مستديرة وبدأ الناسك حديثه عن المحبة شارحا لنا أن المحبة لا تكترث بالجنس أو باللون أو بالعرق ولايهمها سلطة أو شهرة أو مجد وحثنا على أن ننظر لجميع خلق الأرض بعين المحبة لأننا كلنا أخوة نعيش كعائلة واحدة، وهنا تدخلت السيدة اللبنانية الأنيقة و عقبت على كلماته بأن قالت له نحن في لبنان لانميز بين الأديان ولا بين الطوائف، فرئيس الجمهورية من طائفة وصهره من طائفة أخرى، ورئيس الوزراء من غير طائفتهما وكذلك رئيس مجلس النواب فهو من طائفة مختلفة أيضا وجميع اللبنانيين سواسية تحت القانون .هنا تدخل الشاب الحلبي متمتما نعم الجميع تحت القانون ولكن غالبا ما يكون عازف القانون غير لبناني . عاد الناسك للحديث مرة أخرى مشددا على قيمة الانسان ومنتقدا الحروب والقتل المسوغ بأسباب واهية والتعصب الأعمى لمبدأ أو حزب أو وطن والذي قد يخلق اختلافات شكلية بين بني البشر فيهدر طاقاتهم في صراعات ومماحكات لاطائل منها، وتأسف الناسك لألوف الضحايا التي تذهب سنويا ولملايين المشردين والمهجرين و ..وهنا قاطعته السيدة بلطف شديد لتخبره أن لبنان قد يكون البلد الوحيد في العالم الذي خص المهجرين بوزارة ووزير وأن لبنان بصدد استرجاع معظم مغتربيه ليساهموا في بناء الوطن الجديد السيد المستقل وأن الأمل كبير بعودة جميع أبنائه من كل بقاع الأرض حتى من أفريقيا، ولأن مستقبل لبنان الجديد واعد جدا فان بعض اللبنانيين يخشون أن يأتي غير لبنانين ليستمتعوا بحريته وبخيراته . وكأن هذا أيضا لم يعجب المطرب الحلبي فقال مؤفئفا من أفريقيا وغير لبنانين، هل تقصدين الفلاشا? واذ لاحظ الناسك امتعاض السيدة أحب أن يغير مجرى الحديث فقال لي ان جدتي لوالدتي ولدت في دمشق فقفز الشاب الحلبي قائلا اذن انت سوري الأصل، وسألته عن جده لأمه فقال جدي لأمي وجدتي لأبي كلاهما من بلدة اسمها مرجعيون، فما كان من السيدة اللبنانية أن ضحكت عاليا وأظن لو أن الجلسة تسمح لكانت زغردت، لكنها صرخت وبصوت عال أنا قلت هذا الذكاء لبناني . هنا تدخلت لأقطع هذه المعمعة المؤسفة وسألت الناسك عن أغرب ماحدث له أو مارأى خلال فترات تنسكه . واذ بادر للاجابة معلنا باختصار ظهور العذراء، انبرى الشاب الحلبي ليخبره عن ظهورات السيدة العذراء في دمشق وعن العجائب التي فعلتها من تدفق الزيت من الايقونات الى الشفاءات وبينما هو مسترسل في حديثه قاطعته السيدة اللبنانية قائلة "يعني العذراء اذا بدها تظهر ماعاد "تظهر الا بالشام " فرد الحلبي بسرعة" اش بيك خيتو بيقولوا ظهرت في المكان الذي سيبنى عليه السفارة اللبنانية. أحس الناسك بحراجة الموقف فأنهى حديثه أملا أن ينهي هذا الصراع بين السيدة اللبنانية والشاب الحلبي، الا أنه سأل مستفسرا ومازحا قبل أن يغادر هل أنا سوري أم لبناني? فقلت له أخبرتنا عن أصول جدتيك وجدك لأمك ولكن ماذا عن جدك لأبيك ? فقال لا أذكره لأنه مات قبل أن أولد ولكن أذكر أن أبي أخبرني أن والده ولد بالقرب من قرية صغيرة اسمها شبأى، هنا لم أتمالك نفسي عن الضحك قائلا اذا أنت من مزارع شبعا ..فقال وماذا يعني ذلك سوري؟ أم لبناني؟ فقلت له نصيحتي أن تعود لتنفرد في مغارتك لعشرين سنة أخرى ريثما يتقرر ان كنت سوريا أم لبنانيا
أياد قحوش
مجلة ايلاف
05.06.05

ليست هناك تعليقات: